إن الوصول لتحقيق هدف إيجاد مركز مالي للاقتصاد الإسلامي في دولة من الدول يحتاج لإيجاد البنية المالية التحتية لهذا الأمر بحيث يتم تهيئة الأجواء لبناء هذه الأرضية المالية المناسبة لذلك التوجه المهم،  وعليه فيجب أن تتكامل الخدمات المالية المتعددة في قطاعاتها المختلفة والمتعددة، وينبغي أن تتنوع هذه الخدمات ما بين خدمات تجارية وسلعية وائتمانية وخدمات مالية -  سواء المصرفية أو الاستثمارية - وغيرها من الخدمات المهمة في القطاع الاقتصادي، بالإضافة إلى الخدمات الاستشارية المالية، وكذلك خدمات التأمين المختلفة .

وتتضمن البنية التحتية المالية عادة لكل دولة من أسس مهمة منها:  البنوك وشركات الاستثمار وشركات التأمين وشركات الخدمات وشركات الاستشارات المالية، فإذا ما تحقق هدف وصول دبي لأن تكون "عاصمة الاقتصاد الإسلامي "فإن ذلك يعني أن المؤسسات المالية سوف تستفيد بشكل كبير من خلال تقديم خدماتها المالية لشريحة أكبر من العملاء، تفوق العملاء في السوق المحلي والذي قد يكون محدودا بسبب صغر حجمه فهو محدود بحجم الاقتصاد المحلي، وكذلك سوف تحصل المؤسسات المالية في دبي على فرصة أكبر للدخول إلى أسواق المال العالمية واكتسابها الخبرة ورفع كفاءتها من خلال العمل في بيئة أكثر تنافسية وأكثر تطوراً.

ومن الأمور المهمة التي يجب أن توضع بعين الاعتبار هو دور البيئة التشريعية والتنفيذية والرقابية التي تلعب دورا مؤثرا في دعم وتعزيز "دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي"؛ وذلك حتى يتم الانسجام الكامل بين البيئة المالية وغيرها من البيئات المهمة في الدولة المكملة لقطاع الاقتصاد، مع وضع استراتيجيات محددة في مجال تعزيز بيئة الاقتصاد الكلي،  فتوافر البيئة الاقتصادية الكلية المناسبة تعد من العوامل الحاسمة في نجاح مشروع دبي عاصمة الاقتصاد الاسلامي،  وتنصرف تلك البيئة بشكل أساس إلى استقرار الأوضاع الاقتصادية فيما يتعلق بقطاعات الاقتصاد الإسلامي،  ويعد الاستقرار الاقتصادي لدولة عاصمة الاقتصاد الإسلامي أمراً حاسماً في نمو أعمالها وتحقيق غاياتها،  كما يجب أن يتناول أيضا جانب تعزيز مناخ الكفاءة؛ فالقدرة على المنافسة لا ترتبط بالحجم، بقدر ما ترتبط بالكفاءة بمفهوميها الفني والتخصصي، فالعاصمة الاقتصادية الإسلامية القادرة على المنافسة هي التي ترتفع مستويات الكفاءة بها إلى أعلى درجات التميز والتطبيق.

وإذا ما تطرقنا لخصوصية دولة الإمارات العربية المتحدة وعلى وجه الخصوص دبي ،فيقرر الدكتور سيد فاروق مدير أسواق رأس المال الإسلامية في "تومسون رويترز" أن تقرير واقع الاقتصاد الإسلامي العالمي" في العام 2014 يقدم مقياساً مميزاً لتطور الاقتصاد الإسلامي العالمي.

حيث إنه مؤشر مستقل ومتعدد الأبعاد يتجاوز مقاييس الاستهلاك الكمي ليحدد تطور المنظومة المتكاملة للاقتصاد الإسلامي في كل دولة وتتصدر الإمارات العربية المتحدة وماليزيا والبحرين المؤشر الأول للاقتصاد الإسلامي لعام 2014 ويقدم تقرير واقع الاقتصاد الإسلامي العالمي قطاع الاقتصاد الإسلامي بصفته من القطاعات الرئيسة الذي تتأثر منظومته هيكليا بالقيم الإسلامية المتجسدة في أسلوب حياة المستهلك والممارسات التجارية .

وأنطلق من هذا التقرير الذي يبين تصدر الإمارات العربية المتحدة للمؤشر الأول للاقتصاد الإسلامي لأبد أول مباحث هذا البحث وهو:

المبحث الأول: حاجة الاقتصاد الإسلامي إلى تطوير حوكمة الشركات والمؤسسات المالية الإسلامية


تعد حوكمة الشركات "corporate governance"  من أهم الموضوعات المستجدة والتي بدأت الاقتصاديات المختلفة تقننها وتفرض تطبيقها على نطاق واسع، وقد تعاظم الاهتمام بهذا الموضوع في العديد من الدول المتقدمة والناشئة خلال السنوات الماضية، وخاصة بعد سلسلة الأزمات المالية المختلفة التي حدثت في العديد من الشركات في دول شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وروسيا في عقد التسعينات من القرن الماضي والتي فجرها الفساد المالي وسوء الإدارة، ولافتقار العديد من تلك المؤسسات للرقابة والخبرة والمهارة اللازمة للتعامل مع الأزمات المالية، بالإضافة إلى نقص الشفافية، حيث أدت هذه الأزمات والانهيارات إلى تكبد كثير من المساهمين خسائر مادية فادحة مما دفع العديد من المستثمرين للبحث عن الشركات التي تطبق مفهوم حوكمة الشركات.

وقبل الدخول في بيان حاجة الاقتصاد الإسلامي إلى تطوير حوكمة الشركات والمؤسسات المالية الإسلامية وطرح فكرتي حول هذا الموضوع فإني أقدم توطئة مختصرة حول مفهوم الحوكمة والمؤسسات المالية الإسلامية.

المطلب الأول: بيان مفهوم الحوكمة والمؤسسات المالية الإسلامية


أولا: مفهوم الحوكمة: 


أ - من الناحية اللغوية:

المصطلح: "حوكمة الشركات" ترجمة لكلمة إنجليزية هي corporate  governance: فكلمة corporate معناها شركة ؛ وكلمة governance معناها: حاكم أو يحكم.

وبالرجوع إلى معاجم اللغة العربية والبحث أقرب اشتقاق لهذا المعنى نجد أن أقربها هو لفظ "حكم" وتقول العرب: حكمت واحكمت وحكمت؛ بمعنى: منعت ورددت؛ ومن هذا قيل للحاكم بين الناس حاكم؛ لأنه يمنع الظالم من الظلم؛ ومن المعاني لكلمة "حكم": حكم الشيء وأحكمه كلاهما: منعه من الفساد.

ورغم أن لفظ حوكمة لم ترد في القواميس العربية على هذا الوزن، إلا أن المعنى العام لها من مادة لفظ "حكم" الذى يعنى كما سبق القول: المنع من الظلم والفساد وهو المتفق عليه اصطلاحا لكلمة الحوكمة التي تهدف إلى منع الظلم والفساد.

ولقد حاول البعض ترجمتها إلى: الحاكمية أو الضوابط المؤسسية الحاكمة، إلا أن المصطلح  الشائع هو الحوكمة الذى لقى استحسانا من مجمع اللغة العربية وأقره عام 2002.

ب- من الناحية الاصطلاحية:

لا يوجد مفهوم موحد متفق عليه بين كافة الاقتصاديين لمفهوم الحوكمة، بل يوجد عدة تعريفات ومفاهيم.  ويمكن إيراد مفهوم يجمع كثيرا من التعريفات الموجودة في الساحة الاقتصادية وهو:

الحوكمة هي: مجموعة من القوانين والنظم والقرارات التي تهدف إلى تحقيق الجودة والتميز في الأداء عن طريق اختيار الأساليب المناسبة والفعالة لتحقيق خطط وأهداف المؤسسات.

وبمعنى أخر فإن الحوكمة تعنى النظام؛ أي وجود نظم تحكم العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تؤثر في الأداء، كما تشمل مقومات تقوية المؤسسة على المدى البعيد وتحديد المسئول والمسئولية .

فالحوكة هي النظام الذي يمكن من خلاله توجيه المؤسسات المختلفة وتحقيق الرقابة والسيطرة على عملياتها.

ومن ثم فإن مفهوم حوكمة الشركات يتمحور حول آليات وأساليب الرقابة التي تعمل على الحد من المشكلات التي قد تنتج من تعارض واختلاف اهتمامات وأولويات الأطراف المختلفة المؤثرة في عمل الشركة .

ثانيا: المؤسسات المالية الإسلامية:


لن نتطرق للتنوع الفني في مفهوم المؤسسات المالية على اختلاف أنواعها، فمن الاقتصاديين من يقصر المؤسسات المالية على الكيانات التي ليست لها أصول عقارية ،وبعضهم يتناول عدم قدرتها على تقديم خدمات تمويلية.  غير أني سأجنح لتفسيرها بالمفهوم العام المستوعب لكل تلك القطاعات ، ولذا فإننا نعني بالمؤسسات المالية الاسلامية هي: كل مؤسسة تقدم خدمات مالية مطلقا وتكون ملتزمة في عملها وأنشطتها بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية. فتشمل بهذا المفهوم العام البنوك الإسلامية وشركات الاستثمار الاسلامي وشركات التأمين التكافلي وشركات الخدمات والاتصالات والعقار وغيرها من القطاعات المختلفة بشرط تقيدها في أنشطتها بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .

والحوكمة باعتبارها مجموعة قواعد وإجراءات وضوابط للرقابة تضمن حسن وجودة إدارة المؤسسة وتحسين الأداء،  فهي ميثاق أخلاقي لانتهاج الممارسات الأخلاقية والمهنية وتعزيز ثقافة الأمانة والابتعاد عن السلوكيات غير القويمة ،والإنصاف في التعامل مع جميع الأفراد المتعاملين مع المؤسسة والعاملين فيها تعاملاً منصفاً، وهذا كله يتوافق مع الأسس التي تقوم عليها الشريعة الإسلامية ،ولئن كانت الحوكمة بهذا المفهوم تشمل المؤسسات عموماً إلا أن  المؤسسات المالية الإسلامية في القطاع المالي الإسلامي لها حوكمة ثنائية ناتجة عن وجود مجلسين مختلفين هما مجلس الإدارة المنتخب من الجمعية العمومية للمؤسسة بهدف مراقبة الجانب الإداري للبنك، وهيئة الرقابة الشرعية بهدف مراقبة مدى توافق العمليات المصرفية مع الشريعة الإسلامية.  وتكتسب الحوكمة أهميتها من أهدافها التي تتمثل في تحقيق الشفافية والعدالة والممارسة  بمهنية، إضافة إلى منح حق مساءلة إدارة المؤسسة،  وكلها ضوابط مدروسة لتحقيق الحماية للمساهمين والمستثمرين جميعاً مع مراعاة مصالح العمل والعاملين  والحد من استغلال الإدارة في غير المصلحة العامة بشكل يؤدي إلى صيانة الحقوق وتنمية الاستثمارات والمدخرات  وتعظيم الربحية .

إن  وجود نظام فعال وقادر على توفير الثقة ومكافحة الفساد في المؤسسات المالية الإسلامية سيعود عليها بمزيد من النجاح وسيدعم توسع عملياتها، وكل ذلك يندرج تحت مفهوم الأمانة  التي يتحمل أداءها كل فرد في مجال اختصاصه ومسئولياته لقوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا" سورة النساء الآية 58، يقول القرطبي: هذه الآية من أمهات الأحكام تضمنت جميع الدين والشرع.  

كما يجدر التنويه بأن الحوكمة  لن تحقق  الأهداف  المنشودة بالاقتصار على وضع القواعد والقوانين ومراقبة تنفيذها،  وإنما تحتاج إلى توفير البيئة اللازمة لدعم مصداقيتها، وهذا لا يتحقق إلا بالتعاون بين جميع الهيئات العاملة في الدولة بما فيهم جمهور المتعاملين.

ومن هنا فإن الاقتصاد الإسلامي في حاجة ماسة لتطوير حوكمة الشركات والمؤسسات المالية وذلك لتعزيز هذا الجانب المهم في عمل ومسيرة المؤسسات المالية القائمة على منهج الاقتصاد الإسلامي، حيث تعمل الحوكمة على إيجاد بيئة أعمال صالحة تسودها الثقة والقيم الأخلاقية الفاضلة بما يحفظ الحقوق وبما يعود على المجتمع بالخير والتقدم والحياة الطيبة التي أساسها الإيمان والعمل الصالح، وهذا ما أرشدنا إليه القرآن الكريم في قوله تعالى ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ سورة النحل الآية 97.

المطلب الثاني: ملامح هيكل نظام الحوكمة المنشود:


إن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" OECD" قامت بوضع هيكل لنظام الحوكمة ،وتضمن مجموعة مبادئ يقوم عليها نظام الحوكمة: وهى أربعة تتمثل في الآتي:

1 العدالة بين الأطراف المختلفة ذات الصلة بالمؤسسة؛ وهم المساهمون ومجلس الإدارة والمديرون التنفيذيون والعاملون في الشركة وأصحاب المصالح، مثل عملاء الشركة والموردين والدائنين والبنوك والمجتمع الذى توجد الشركة فيه بحيث يحصل كل طرف على حقوقه ويؤدى التزاماته.

2 المسئولية: بمعنى تحديد المسئولية المقررة على كل طرف بدقة والعمل على أدائها بكل صدق وأمانة.

3 المساءلة: بمعنى ضرورة محاسبة كل مسؤول عن التزاماته وربط مدى الوفاء بها بنظام للجزاء في صورة مكافأة المجتهد ومعاقبة المقصر من خلال نظام داخلي في الشركة للحوافز وللعقوبات وتطبيقه على الجميع، وكذا وجود نظام قضائي عادل وحاسم وسريع في الدولة.

4 الشفافية: بمعنى الصدق والأمانة والدقة والشمول للمعلومات التي تقدم عن أعمال الشركة للأطراف الذين لا تمكنهم ظروفهم من الإشراف المباشر على أعمال الشركة التي لهم فيها مصالح واحتياجهم إليها للتعرف على مدى أمانة وكفاءة الإدارة في إدارة أموالهم والمحافظة على حقوقهم وتمكينهم من اتخاذ القرارات السليمة في علاقاتهم بالشركة .

وأظن أننا ندرك تماماً بأن الشريعة الإسلامية قد سبقت هذه المنظمات جميعها بتأسيسها لأركان الحوكمة؛ حيث تعتبر العدالة من أهم الأسس التي تقوم عليها العقود الشرعية، تساندها قيمة الوفاء بالعقود، وهو ما تؤكده آيات متضافرة في هذا الشأن منها: قول الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّه﴾ سورة النساء الآية 135، وقوله تعالى ﴿وإذا قلتم فاعدلوا﴾ سورة الأنعام الآية 152.

كما أن المسئولية قد بينتها الشريعة الإسلامية بشكل دقيق وربطتها بجانب العبادة والمراقبة، فالمسلم  عند تعاقده مع الآخرين إنما هو مسؤول أمام الله تعالى الذى أمر بالوفاء بالعقود.

وكما نظرت الشريعة الإسلامية إلى المساءلة في تنظيمها لعقود المعاملات فقد وضعت أسساً لمحاسبة كل طرف على مدى التزامه بأداء ما عليه من واجبات في العقد ،فجاء في الحديث الشريف" المسلمون على شروطهم  ."

وأما الشفافية بمعنى الصدق والأمانة فلسنا في حاجة الى التأكيد على موقف الإسلام من قيم الصدق والأمانة والحث عليهما بشكل عام؛ إضافة إلى تحذيره وتنفيره من الكذب بشكل خاص، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور،  وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا، وعليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا .

إن ملامح هيكل نظام الحوكمة في المؤسسات المالية الإسلامية المنشود يكمن أولاً في إيمان المتعاملين والمؤسسات المالية بمفهوم المراقبة لله تعالى ثم بمراعاة الأمانة العلمية والمهنية، قال تعالى حكاية عن موسى عليه الصلاة والسلام " إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ" سورة  القصص الآية 26، إن الأحق بالإدارة في المؤسسات المالية الإسلامية هو من توفرت فيه هاتان الصفتان، وكلما كانت المهمة والمسؤولية أعظم، كان التشدد في تحقق هاتين الصفتين أكثر وأكبر.

وليست الأمانة هنا إلا رمزاً لما يستلزمه الإيمان بالله تعالى من المحامد كالإخلاص والصدق والصبر والمروءة والعفة وأداء الفرائض والكف عن المحرمات؛ وقد قال أكثر المفسرين في قوله تعالى: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ" سورة الأحزاب: 72 إن المراد بها: التكاليف الشرعية عامة .

هذه نبذة مختصرة حول الملامح ونتطرق لأهمية تطوير حوكمة الشركات والمؤسسات المالية الإسلامية في المطلب التالي.

المطلب الثالث: تطوير حوكمة الشركات والمؤسسات المالية الإسلامية


أتطلع للمستقبل بوضع بعض الملامح التي ننشدها والتي تبين حاجة الاقتصاد الإسلامي إلى تطوير حوكمة الشركات والمؤسسات المالية الإسلامية ومنها:

1- تعزيز دور الرقابة الشرعية الخارجية:

والمقصود من التدقيق الشرعي الخارجي هو: تتبع وفحص الأعمال للمؤسسة المالية الإسلامية بهدف التحقق من سلامة التزامها بمقتضى مرجعيتها الشرعية والفنية المعتمدة  .

إن بناء التدقيق الشرعي القائم على تعزيز الشفافية والحوكمة في المؤسسات المالية الاسلامية يساهم بشكل كبير في ضبط هذا المنهج بل وحتى أسلوب العمل  في تلك المؤسسات المالية الإسلامية لتساهم في دعم مشروع دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي.

إن إدارات الرقابة الشرعية الداخلية والهيئات الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية تساهم بشكل كبير في ضبط العمل بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وتؤدي هذه الإدارات دورها بشكل جيد ولكن دورها ينتهي عند الضبط الشرعي الداخلي للمؤسسة، ويأتي بعده الدور المكمل وهو دور الرقابة الشرعية الخارجية؛ وذلك لكي تؤسس هذه المهنة على أسس علمية دقيقة لتقديم تصور واضح للمساهمين والمتعاملين مع تلك المؤسسة بصورة عنوانها الشفافية وتدلل على مصداقية الشركة في تعاملها الشرعي في أنشطتها وعقودها،  فقد اعتمدت معظم المؤسسات التقليدية نهج التدقيق الخارجي لما له من حيادية كبيرة، ونحن لا نعني بهذا الطرح أن نحجب الثقة عن التدقيق الشرعي الداخلي ،وإنما مقصدنا من ذلك هو تعزيز جانب الشفافية والحوكمة في المؤسسات المالية الإسلامية.

وتكمن أهمية التدقيق الشرعي الخارجي بما يلي:

أ- تعزيز الثقة ورفع مستوى الشفافية لدى المؤسسة والمتعاملين معها.

ب-التأثير الإيجابي الفعال باتجاه تقويم وتطوير الجوانب الإجرائية فيما ينبغي عليه أن يكون عمل المؤسسة من الناحية الشرعية مما يعزز قدرتها الأدائية والمهنية والفنية.

ت- تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة من حيث الضبط الشرعي والخطة الشرعية المعتمدة للتدقيق لتوافق أعمال المؤسسة مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية  .

فالتدقيق الشرعي الخارجي يعتبر وسيلة لضبط التزام المؤسسة المالية الإسلامية بمعايير الشريعة من جهة وبمعايير العمل المهني من جهة أخرى فيما يتعلق بالالتزام بالأحكام الشرعية في جميع الأنشطة والأعمال. وهو أمر مطلوب شرعا وفق قاعدة: "ما يتوقف عليه الواجب فهو واجب"،  جاء في قرار المجمع الفقهي ما نصه: "كل أداة حديثة وصل إليها الإنسان بما علمه الله وسخر له من وسائل؛ إذا كانت تخدم غرضا شرعيا أو واجبا من واجبات الإسلام، تصبح مطلوبة بقدر درجة الأمر الذي تخدمه وتحققه من المطالب الشرعية، وفقا للقاعدة الأصولية المعروفة؛ وهي: أن ما يتوقف عليه الواجب فهو واجب."

2- إيجاد آليات تمكن الهيئات الشرعية أو إدارات الرقابة الشرعية من تمثيلها في اجتماعات مجلس الإدارة بصفة مراقب.

لم يتم -حسب علمي- أي تطبيق لمثل هذه التجربة في المؤسسات المالية الإسلامية ،فلا يوجد هناك تقنين من الجهات الإشرافية أو الرقابية بذلك الأمر ولم يلزم به من أي جهة معيارية.

وحاجتنا لهذا التمثيل الشرعي في مجالس الإدارات هو لتعزيز جانب الشفافية في اتخاذ القرارات المهمة، حيث إنه في بعض الأحيان يتم اتخاذ  قرارات من شأنها أن تؤثر في مسيرة المؤسسة المالية الإسلامية من حيث المصداقية والشفافية دون أن يكون للهيئة الشرعية أو جهاز الرقابة الشرعي أي دور أو تدخل في الموضوع المقصود، ولا أتكلم عن القرارات الفنية الخاصة بالعمل التشغيلي ولكن أقصد تلك القرارات المصيرية التي تؤثر في سير المؤسسة المالية الإسلامية.

وأنتقل الآن للبعد الآخر من أبعاد التصور لعاصمة الاقتصاد الإسلامي وهو منظومة الزكاة والوقف.

المبحث الثاني: حاجة الاقتصاد الإسلامي إلى تفعيل دور الزكاة والوقف


الزكاة فريضة شرعية ومالية ولها تعلق اجتماعي مهم في حياة الناس، وهي ركن هام في بناء الاقتصاد الإسلامي وتحقيق العدالة الاجتماعية، غرضها سعادة الفرد والمجتمع، وتحقيق التكافل والترابط بين أفراده .

والزكاة في اللغة هي: النماء والطهارة والزيادة .

وفي اصطلاح الفقهاء فتطلق على: أداء حق يجب في أموال مخصوصة، على وجه مخصوص.

وأما الوقف فهو النافلة الاجتماعية المهمة في حياة الشعوب والأمم.

والوقف في اللغة:  هو الحبس .

وفي اصطلاح الفقهاء هو: حبس مال يمكن الانتفاع به، مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته، على مصرف مباح؛ ويقصد بقطع التصرف فيه؛ أنه لا يجوز للواقف أو لناظر الوقف بيعه أو هبته، كما أنه لا يورث عن الواقف.

وسوف نتناول هذا المبحث في مطلبين:

المطلب الأول: دور الزكاة والوقف وأهميتها اقتصاديا ومجتمعيا


تلعب الزكاة دورا مهما في تنشيط الاقتصاد وتحقيق التنمية المنشودة للمجتمع من خلال أسس اقتصادية مهمة وهي: محاربة الاكتناز و تشجيع الاستثمار و تشجيع الإنفاق.

فمن أهم الأهداف التي تسعى إليها الزكاة هي منع اكتناز الأموال؛ فاكتناز الأموال وإبقاؤها ساكنة سوف يؤخر حركة الاقتصاد والمنفعية للمجتمع .

ومن المعلوم أن هناك وظيفة اجتماعية للأموال، والأموال في نظر الفكر الاقتصادي الإسلامي تقوم بوظيفة هامة في المجتمع، ولا يجوز لمالك هذه الأموال أن يحول دون أداء هذه الأموال لدورها الاجتماعي عن طريق الاكتناز والتجميد، ولذا فقد حرم الإسلام كنز الأموال وتعطيلها عن الحركة، ووردت نصوص قرآنية تمنع من اكتناز النقود وإخراجها من ميدان التداول وتجميدها، وقد رتب الله تعالى على كنز الأموال وعيداً مرعباً لمن يتق الله ويخاف حسابه وعقابه فقال الله تعالى: "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ". سورة التوبة الآية " 34-35".

فهذا التجميد من شأنه أن يفسد التوازن المالي والتجارة والاقتصاد عامة، ومن ثم يفسد بذلك التوازن الاجتماعي ويؤدي إلى محظورات يجب منعها تبعاً لمبدأ "سد الذرائع"، وعليه فلا تصبح مسألة الاكتناز مسألة شخصية أو فردية، بل تصبح مسألة تشريعية ومشكلة اجتماعية تطالب الدولة بمنعها عن طريق التشريع  بما لها من سلطان وولاية.

وهذا المفهوم يتوافق مع مبادئ الاقتصاد العالمي الحالي و الذي يؤكد أن اكتناز الأموال من أهم العوامل التي تعوق التنمية الاقتصادية للدولة لأن هذه الموارد الراكدة لا تدخل في عجلة الاقتصاد و بالتالي تقلل من حجم الموارد المحلية، ومن ثم فإن ذلك يؤدي إلى مستوى تنموي أقل بكثير مما يمكن أن يتحقق لو أن كل الموارد موظفة و مستخدمة في إنعاش الاقتصاد.

كما أن الزكاة تشجع ضمنيا استثمار الأموال المكتنزة؛ لأن أموال الزكاة إذا لم تستثمر و تنمى سوف تتلاشى مع مرور السنين.

وأما العامل الاقتصادي الثالث المرتبط بالزكاة فهو مبدأ تشجيع الإنفاق، فالنظريات الاقتصادية المعاصرة التي تبين أن الاستثمار وحده ليس كافيا لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية إن لم يتوفر السوق الذي يستوعب شراء المنتجات الصادرة عن هذه الاستثمارات، فهناك علاقة مترابطة بين الاستثمار و الإنفاق؛ لأن تقليل الإنفاق يؤثر على السوق و يقلل من قدراته على استيعاب المنتجات مما يجعل الكثيرين غير راغبين في أن يخاطروا بأموالهم في استثمارات جديدة .

وتعتبر الزكاة مرتكزاً أساسياً من مرتكزات النظام الاقتصادي الإسلامي، حيث وضع الإسلام قواعدها الثابتة وحدد الإجراءات العملية اللازمة لتنفيذها في الحياة العملية ،وألزم الحكومات في الدول الإسلامية بالقيام بشؤون الزكاة جبايةً وصرفاً. ولذا فقد تميزت الزكاة بخصائص معينة باعتبارها اقتطاعاً مالياً من دخول وثروات المكلفين الأغنياء، وأهم تلك الخصائص:

أ- اتساع وتنوع الوعاء الخاضع للزكاة، حيث تعتبر جميع الأموال القابلة للنماء، سواء كانت تلك  الأموال القابلة للنمو حقيقية أم تقديرية، وعاء للزكاة بشروط معينة.

ب- تقسم الأموال التي تجب فيها الزكاة إلى مجموعتين رئيستين: المجموعة الأولى الأصول الرأسمالية، وتشمل الثروة الحيوانية، والذهب والفضة والأرصدة النقدية ،ورأس المال العامل، والأوراق المالية. وتمثل المجموعة الثانية الدخول المتولدة من استغلال الأصول الرأسمالية، وتشمل المنتجات والإيرادات والدخول المختلفة.

ت- نمو حصيلة الزكاة وتجددها سنويا: من المعلوم أن الوعاء الخاضع للزكاة يرتبط بالنشاط الاقتصادي، وأن معظمه يتكون من الدخل أو الناتج المتولد من استخدام عناصر الإنتاج المتاحة في المجتمع، ومن ثم فإن حصيلة الزكاة ترتبط ارتباطاً وثيقاً وطردياً بمستوى النشاط الاقتصادي، تنمو وتتزايد مع نموه، وتتجدد سنويا مع دور النشاط الاقتصادي القائم في المجتمع.

ث- الزكاة أداة مالية مساعدة ومكملة لأدوات السياسة النقدية في حال تحقيق الاستقرار النقدي؛ ذلك أن التأثير في نسبة معتبرة من الدخل القومي في مرحلة الجمع والتحصيل، أو في مرحلة الإنفاق والتوزيع لها أهميتها في المساعدة على التخفيف من حدة الاضطرابات النقدية.

كما تعد الزكاة من وجهة نظر كثيرٍ من الفقهاء والمتخصصين في الاقتصاد الإسلامي المؤسسة الأولى للضمان الاجتماعي في الإسلام والأداة الأولى من أدوات التكافل الاجتماعي؛ فمن خلال مصارفها المعروفة في الفقه يتجلى لنا بوضوح الدور الكبير الذي تؤديه الزكاة في تحقيق الأهداف الإنسانية للمجتمع المسلم وهو ما يؤكد أن للزكاة آثاراً اجتماعية كبيرة على المجتمع.

وأما الوقف الإسلامي فلا يقل شأناً عن مشروعية الزكاة المفروضة؛  فكلاهما أنظمة إسلامية رائدة متفقة المبادئ والأهداف بما يعود بالمصلحة على أفراد المجتمع الإسلامي، وإن ميدان الوقف ليس ميداناً ضيقاً جامداً بل هو ميدان فسيح يشمل كل ألوان البر، فكان الوقف وما يزال له أهمية تاريخية عظمى في الكفاح ضد الفقر والعجز الذي كان يشكل عقبات كبرى في طريق تقدم الإنسان ورقيه، وتحقيق كرامته وحريته.

والوقف الإسلامي باب من أبواب الخير الذي انتهجته الأمة الإسلامية لتحقيق القربات والأعمال الصالحة ابتغاء مرضاة الله، وهو يعكس حكمة الإسلام في استغلال الأموال وتوظيفها مع بقاء عينها لمصالح خيرية دائمة، فهو وسيلة متطورة لشكل الإنفاق في سبيل الله تعالى بحيث تتجلى الحكمة من العنصر المستدام المفيد للمجتمع.

يقول العز بن عبد السلام: قد علمنا من موارد الشرع ومصادره أن مطلوب الشرع إنما هو مصالح العباد في دينهم ودنياهم ."

لقد كان للوقف على مر العصور الإسلامية دور مهم وتاريخي في حياة الشعوب الإسلامية،  حيث يعتبر الوقف الإسلامي عنوانا تميزت به الحضارة الإسلامية على مر العصور، بل دعا إلى تطبيقها حرصاً منه على زيادة أعمال البر والإحسان من المسلمين تقرباً إلى الله تعالى وتوثيقاً للعلاقات فيما بين الناس جميعاً داخل المجتمع الإسلامي،  فيجوز الوقف  على الفقراء والأغنياء،  والأقرباء والغرباء ،والمسلمين وغيرهم من أهل الذمة،  الذين يعيشون داخل المجتمع الإسلامي بشروط ذكرها فقهاء المسلمين،  وفتح الباب واسعاً لكل الناس أن يوقفوا من أموالهم نصيباً ينفق في وجوه الخير.

وهنا تبرز حاجة الاقتصاد الإسلامي إلى تفعيل دور الوقف والزكاة باعتبارهما مصدرا من مصادر الدخل العام للأفراد على جهة البر والإحسان؛ من جهة الإلزام في الزكاة ومن جهة التبرع والإحسان في الوقف. وتكمن أهمية تفعيل هذا الجانب الاقتصادي الحيوي في تكامل القطاعات الاقتصادية العاملة في الدولة، فلا شك أن المسؤولية المجتمعية تحتم أن يتفاعل الأفراد في المشاركة في مسؤولياتهم تجاه المجتمع  لسد حاجات أفراده ومؤسساته، وقد ثبت في التاريخ الإسلامي تبرع كثير من الصحابة الكرام لمؤسسات الدولة الإسلامية وأفرادها في مواقف الشدة، ولم يقتصر الأمر على سد الاحتياجات الخاصة بل تعدى للخدمات العامة؛ فها هو عثمان بن عفان رضي الله عنه عندما ساهم بأمواله في سد احتياج ثلاثة مصارف مجتمعية مهمة: منها الخدمي المتمثل في توفير احتياج عام للمسجد، ومنها الإغاثي المتمثل في توفير الماء للناس ،ومنها الجانب العسكري المتمثل في تجهيز الجيش من عدة وعتاد، فقد حدث الأحنف بن قيس قال: قدمنا المدينة فجاء عثمان فقيل: هذا عثمان ، فدخل عليه ملاءة له صفراء قد قنع بها رأسه، قال: ها هنا علي ؟ قالوا: نعم، قال: هاهنا طلحة ؟ قالوا: نعم ،قال هاهنا الزبير؟ قالوا: نعم قال: هاهنا سعد؟ قالوا: نعم، قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يبتاع مربد  بني فلان غفر الله له، فابتعته بعشرين ألفا أو خمسة وعشرين ألفا، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: قد ابتعته، فقال: اجعله في مسجدنا وأجره لك، قال: فقالوا: اللهم نعم ،قال: فقال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا  هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يبتاع بئر رومة غفر الله له، فابتعتها بكذا وكذا ثم أتيته فقلت: قد ابتعتها، فقال: اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك، قالوا : اللهم نعم، قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر في وجوه القوم فقال: "من يجهز هؤلاء غفر الله له" يعني جيش العسرة، فجهزتهم حتى لم يفقدوا عقالا ولا خطاما، قالوا: اللهم نعم، قال: قال: اللهم اشهد ثلاثا  .

لقد استطاع العقل الإسلامي أن يحول البذرة الواردة في القرآن إلى شجرة وارفة الظلال وأن يترجم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعمال الصحابة الكرام الأجلاء إلى منظومة تشريعية وإلى آليات قادرة على أن كون محينة باستمرار، وعلى أن تستجيب في نفس الوقت وبنجاح لمختلف مكونات الوقف التعبدية، والاقتصادية والقانونية والاجتماعية والسياسية على حد سواء.

المطلب الثاني: ملامح تفعيل دور الزكاة والوقف لخدمة الاستراتيجية دعم دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي


لئن كان الوقف الإسلامي مسألة تعبدية إيمانية غايتها البر والتقرب إلى الله تعالى بتطبيق أحكامه والسير في ظلال سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فإنه أيضا مسألة عروقها ضاربة في أعماق المال والاقتصاد والاستثمار والتيسير والتصرف والحساب.

نتعرض في هذا المطلب لبعض الملامح العامة التي تفعل دور هذا الجانب الخيري النفعي المهم وربطه بقطاع المؤسسات المالية الاسلامية، فمن المقترحات التي يمكن أن نقدمها في هذا الجانب هي:

أ- السعي نحو صياغة منظومة الزكاة والوقف كعمل مؤسسي.

وأقصد بهذه النقطة هو تفعيل الهيكل المؤسسي المدروس لمنظومة الزكاة والوقف وصياغتها في قالب مؤسسي والعمل على صياغة كيانات مدروسة تلبي حاجة قطاعات الاقتصاد الأخرى المكلمة،  لينضوي بعضها تحت المؤسسات الخاصة وبعضها تحت المؤسسات العامة، مع مراعاة الجوانب الرقابية بشكل فاعل وصارم لضمان عدم انحراف هذه التجربة على المدى البعيد.

ب- إيجاد آليات لتفعيل أساليب التكافل الوقفي بشكل مؤسسات مالية إسلامية، وتبني نموذج الوقف التكافلي لإدارة التأمين التكافلي لتفيد منه مختلف القطاعات الاقتصادية الأخرى.

ت- السعي نحو إنشاء الصناديق الوقفية المتعددة الأغراض.

لقد تنوعت الأوقاف الإسلامية على مر العصور الإسلامية فشملت جوانب عدة في المجتمع، ومعلوم أن أفكار كل مجتمع هي وليدة عصرها فما كان مهما في وقت من الأوقات ربما لا يكون مهما في وقت آخر؛ فمثلا نجد في التاريخ الإسلامي أوقافا لعابري السبيل، وأخرى للدلالة على اتجاه القبلة وهكذا، فلم يقتصر الأمر على النواحي الحاجية بل تعدى حتى للكماليات، وهذا يعطي دلالة واضحة على سعة مفهوم الوقف وتناوله لجوانب عدة من الحياة الاجتماعية ،ولذلك فأعتقد أنه من المفيد جدا أن يتم دراسة مدى مساهمة المؤسسات المالية الإسلامية في توفير وإيجاد مثل هذه الصناديق المتعددة التي تضمن الحياة الكريمة والعيش الرغيد لأفراد المجتمع من خلال الدور المجتمعي والتنموي الذي ينبغي أن تقوم به تلك المؤسسات، وهي تدعيم لاستراتيجية دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي، حيث تساهم تلك المؤسسات المالية بذلك العمل الاجتماعي المهم.

ولا بد من تنويع صور الوقف الإسلامي لتواكب الزمن الذي نحن فيه ومتطلباته الخاصة والعامة، وما ينطبق على منظومة الوقف ينطبق أيضا على الزكاة وفق مصارفها الشرعية.

ث-السعي نحو إيجاد كيانات مالية اقتصادية إسلامية قائمة على أموال الوقف.

إن فكرة المؤسسة المالية القائمة على أموال الوقف هي فكرة تستحق الدراسة والعناية؛  وقد طرحت من عدد من الباحثين المهتمين بالشأن الاقتصادي الإسلامي، وتكمن روح الفكرة في المزج بين الجانب الاقتصادي والوقفي في آن واحد، وقد اتسع الفقه الإسلامي في الوقف اتساعا كبيرا بحيث يحقق أهدافا عامة وخاصة بحسب شروط الواقف، وكما يقول الفقهاء" شرط الواقف كنص الشارع."

وعلى ذلك فيمكن أن يتم صياغة النظام الأساسي للمؤسسات المالية المستهدفة بهذه الفكرة بشكل يحقق التنمية المستدامة للمجتمع مع المزج بالجانب الاقتصادي من جهة أخرى.

وفقهاء الإسلام كانوا وما زالوا يحيطون الوقف الإسلامي بالدراسة الاجتهادية الدقيقة،  ويستنبطون الحلول الاجتهادية لكل ما يستجد من مسائل في إطار تقوية دور الوقف الإسلامي، وهذا الاجتهاد مازال قائماً يتجلى في دوائر الإفتاء والمجامع الفقهية المتعددة التي تلبي الإجابة على المستجدات النازلة للأمة.

ولا بد من النظر بجدية  نحو التجديد الفقهي المناسب لمسائل الوقف، مع تمسكنا بالثوابت العامة لنصوص الشريعة المستقرة،  فالموضوعات الفقهية المتعلقة بالوقف تتجدد بتجدد الزمان والمكان وهو ما أثبته التاريخ من تعدد الصور قديما وحديث، لذلك ينبغي استثارة الهمم للاجتهاد بفكر مستلهم من روح الشريعة الإسلامية يمزج أصالة الفقه مع تجدد الواقع المعيش، فتتحول ثقافة الوقف إلى ثقافة تنموية تراعي المستجدات القائمة مع النظر بشمولٍ لحاجات قطاعات المجتمع المختلفة.

ج - الأوقاف الجماعية من المؤسسات المالية الاسلامية لدعم أوجه التنمية المختلفة كالتعليم والتدريب.

إن تعاون المؤسسات المالية الإسلامية لإنشاء شركات متخصصة على سبيل الوقف تكون خدمة لأوجه التدريب والتطوير، بحيث تخصص الشركات جزءاً من أرباحها لتنمية رأس مال شركات وقفية متخصصة لخدمة أغراض التنمية المستدامة مثل التدريب والتطوير التخصصي والبحوث والدارسات التنموية ، وكل ذلك يصب في مصلحة قطاع الاقتصاد الإسلامي الذي ارتضت دبي أن تكون عاصمة له.

المبحث الثالث: حاجة الاقتصاد الإسلامي إلى التحكيم الإسلامي


قبل الدخول في الكلام حول هذا المبحث المهم نلقي نظرة سريعة حول المفهوم ثم نستعرض بعدها نظرتنا لحاجة الاقتصاد الإسلامي إلى التحكيم الإسلامي.

المطلب الأول: معنى التحكيم وحكمه

التحكيم في اللغة مصدر  للفعل "حكم" بمعنى قضى، والحكم: القضاء . ويقال: حكم بينهم يحكم بالضم حكمٌا و حكم له وحكم عليه. و حكمه في ماله تحكيماً إذا جعل إليه الحكم فيه فاحتكم عليه في ذلك .

والتحكيم في الاصطلاح الفقهي هو: تولية الخصمين حاكما يحكم بينهما، أو هو تصيير الغير حاكما.

فالتحكيم عبارة عن اتخاذ الخصمين حاكما برضاهما لفصل خصومتهما ودعواهما ،وهو عند الفقهاء دون مرتبة القضاء إذ يتولى طلبه من قبل الخصوم أنفسهم وليس السلطان أو من يقوم مقامه من أصحاب الولاية على الناس كما هو الحال في القضاء .

وقد نحى أهل القانون منحى الفقهاء في تعريف التحكيم فعرفوه بأنه: نظام لتسوية المنازعات عن طريق أفراد عاديين يختارهم الخصوم إما مباشرة أو عن طريق وسيلة أخرى يرتضونها.

أو هو مكنة أطراف النزاع بإقصاء منازعتهم عن الخضوع لقضاء المحاكم المخول لها طبق القانون، كيما تحل عن طريق أشخاص يختارونهم .

وقد اتفق الفقهاء على مشروعية التحكيم ؛ لأدلة تطلب من مظانها.

كما أن مجمع الفقه الإسلامي قد ناقش موضوع التحكيم وأصدر بشأنه قرارا جاء فيه:

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بــــــ "أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة" من  1-6 ذي القعدة 1415ه الموافق 1-6 نيسان "أبريل" 1995م، بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع مبدأ التحكيم في الفقه الإسلامي، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي:

أولاً: التحكيم اتفاق طرفي خصومة معينة على تولية من يفصل في منازعةٍ بينهما بحكمٍ ملزم يطبق الشريعة الإسلامية .

وهو مشروع سواء أكان بين الأفراد أم في مجال المنازعات الدولية .

ثانياً: التحكيم عقد غير لازم لكل من الطرفين المحتكمين والحكم، فيجوز لكل من الطرفين الرجوع فيه ما لم يشرع الحكم في التحكيم، ويجوز للحكم أن يعزل نفسه - ولو بعد قبوله - ما دام لم يصدر حكمه، ولا يجوز له أن يستخلف غيره دون إذن الطرفين، لأن الرضا مرتبط بشخصه .

ثالثاً: لا يجوز التحكيم في كل ما هو حق لله تعالى كالحدود، ولا فيما استلزم الحكم فيه إثبات حكم أو نفيه بالنسبة لغير المتحاكمين ممن لا ولاية للحكم عليه، كاللعان ،لتعلق حق الولد به، ولا فيما ينفرد القضاء دون غيره بالنظر فيه، فإذا قضى الحكم فيما لا يجوز فيه التحكيم فحكمه باطل ولا ينفذ .

رابعاً: يشترط في الحكم بحسب الأصل توافر شروط القضاء .

خامساً: الأصل أن يتم تنفيذ حكم المحكم طواعية، فإن أبى أحد المحتكمين، عرض الأمر على القضاء لتنفيذه، وليس للقضاء نقضه، ما لم يكن جوراً بيناً، أو مخالفاً لحكم الشرع.

سادساً: إذا لم تكن هناك محاكم دولية إسلامية، يجوز احتكام الدول أو المؤسسات الإسلامية إلى محاكم دولية غير إسلامية توصلاً لما هو جائز شرعاً.

ويوصي بما يلي:

دعوة الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي إلى استكمال الإجراءات اللازمة لإقامة محكمة العدل الإسلامية الدولية، وتمكينها من أداء مهامها المنصوص عليها في نظامها، والله الموفق.

وفائدة التحكيم أنه كالقضاء في قطع الخصومة، وذلك بصدور حكم ملزم وواجب التنفيذ، إذ لا يختلف حكم المحكمين عن حكم القضاء من ناحية حجيته وآثاره، فهو نافذ بالنسبة للأمر المقضي به بالنسبة لموضوع النزاع الذي بت فيه، مع كفالته لسائر الضمانات المتعلقة بحقوق الدفاع، وسلامة الإجراءات الأساسية، وقواعد النظام العام.

المطلب الثاني: حاجة عاصمة الاقتصاد الإسلامي للتحكيم


مع النمو المتسارع للمؤسسات المالية الإسلامية، وتزايد الإقبال على التحول نحو المصرفية الإسلامية، بالإضافة إلى توسع تقديم المنتجات المالية الإسلامية وتنوعها ،أصبحت الحاجة ملحة لتقديم الدعم والمساعدة للمؤسسات المالية الإسلامية فيما يتعلق بالجانب التشريعي والقانوني، خاصة أن معظم المؤسسات المالية الإسلامية تتعامل في واقع مختلط مع مؤسسات مالية تقليدية لها وضعها الاقتصادي القائم ،الأمر الذي ساهم في نشوء بعض النزاعات والخلافات القانونية لبعض المؤسسات المالية الإسلامية وذلك بحكم طبيعة التعامل والفهم المختلف الذي قد يكون سببه الاختلاف في تفسير شروط وبنود العقد عند التنفيذ أو لأسباب أخرى تكون محل خلاف ونزاع بين أطراف الخصومة عادة.

إن أسلوب التحكيم موجود في أذهان كثير من الناس حتى قبل تقنينه وتشريعه، ثم طورت هذه الأفكار لتنصب في قالب تشريعي مكمل للتقاضي له خصائص وامتيازات مشجعة للجوء إليه وهو التحكيم على اختلاف أنواعه المعروفة.

وساهم تأخر بعض القضايا في المحاكم إلى تأخير مصالح بعض المؤسسات المالية الإسلامية، ما دعا إلى ضرورة البحث عن وسيلة أخرى تحقق الهدف من التقاضي وتتجاوز السلبيات القائمة،  ومن هنا فقد بدأ البحث عن جهة تحكيمية محايدة ومتخصصة في التحكيم تتولى فض النزاعات المتعلقة بالمؤسسات المالية الإسلامية وتسرع من وتيرة التقاضي وترد الحقوق لأصحابها عند حدوث النزاعات بين المؤسسات المالية الإسلامية.

يضاف إلى ذلك أن نمو التجارة الدولية وتشابك المصالح الاقتصادية وثورة الاتصالات التي جعلت العالم  بأسره كبيت واحد،  وسهولة انتقال رؤوس الاموال في شكل استثمارات ضخمة وعقود نقل التكنولوجيا وعقود الانشاءات وعقود التجارة الدولية وعقود النقل الجوي والبحري والبري وعقود التأمين والعقود المصرفية كل ذلك أوجد الحاجة الماسة لتطوير آلية التحكيم الإسلامي ليكون الوسيلة الفعالة والمناسبة للرجوع إليه في حسم أية خلافات تنشب بين الأطراف المتعاقدة ، وربما يشكل في المستقبل  واقع التحكيم  الإسلامي عصباً مهماً في مجال الاقتصاد الإسلامي.

وسبقت الإشارة إلى أن الشريعة الإسلامية قد عرفت مثل النوع من أنواع فض الخصومات والنزاع بين الأطراف المتخاصمة مع وجود التقاضي الذي هو نظام مستقر لدى كثير من الأمم القديمة والحديثة .

ولم تهمل الشريعة الإسلامية هذا النظام المهم،  بل تكلم الفقهاء عن شروط وضوابط التحكيم بشكل مفيد جدا يشكل أرضية مناسبة للبناء عليها نحو تقنين التحكيم بشكل واضح وسهل التطبيق.

وكان من ثمرة المحاولات الجادة في هذا الصياغ هو افتتاح المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم في دبي، ففي مطلع يناير "كانون الثاني" 2007 تم افتتاح المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم في دبي، وباشر مهامه وتقديم خدماته لمختلف المؤسسات المالية الإسلامية .

ووجود هذا المركز له دلالة مهمة على مكانة دبي المالية؛ حيث تمتلك دبي مقومات البنية التحتية اللازمة لأن تصبح مركزاً عالمياً للتحكيم وتسوية النزاعات في قطاع الخدمات المالية الإسلامية، وقد أكد الدكتور عبد الستار الخويلدي الأمين العام للمركز خلال مؤتمر عقد بدبي حول تسوية النزاعات المالية الإسلامية، أهمية التحكيم في العقود الإسلامية بالنظر لتطور صناعة الخدمات المالية الإسلامية ونوعية النزاعات التي تطرأ في هذا القطاع الأمر الذي يمهد لوضع الحلول الناجعة بما يتماشى مع القوانين ومبادئ الشريعة الإسلامية. وقال الدكتور عبد الستار الخويلدي: إن هذه المبادرة جاءت تتويجا لقطاع الصيرفة الإسلامية الذي يشهد في دبي تطورا نوعيا منذ أكثر من ثلاثة عقود، فضلا عن توفير كل مقومات النجاح له في الإمارات عموما ودبي خاصة .

كما أشار الدكتور عبدالستار الخويلدي إلى أنه من أبرز العوامل التي تجعل دبي مقصدا عالميا للتحكيم وتسوية النزاعات تتمثل في الجهود المبذولة حاليا من قبل دولة  الإمارات العربية المتحدة لإصدار قانون اتحادي ينظم التحكيم في بعده المحلي والعالمي مستفيدا من تطور فقه التحكيم.

ويبين ذلك أهمية التحكيم بالنسبة للقطاعات الاقتصادية المختلفة، والحاجة للتحكيم ليست مقتصرة على المؤسسات المالية الإسلامية ولكن لكون المؤسسات المالية الإسلامية لها خصوصيتها في أنشطتها فتحتاج لنوع خاص من  طرق فض المنازعات لو حصلت بين المؤسسات المالية الإسلامية نفسها أو مع غيرها ممن يتعامل معها. ولعلنا نشاهد في نهاية الاستراتيجية المباركة وجود مثيل لتجربة محاكم مركز دبي المالي العالمي، حيث تعد محاكم مركز دبي المالي العالمي السلطة القضائية لمركز دبي المالي العالمي، وهي مسؤولة عن إدارة وتطبيق العدالة بشكل مستقل عبر حل كافة النزاعات المدنية والتجارية ضمن الحي المالي في مركز دبي المالي العالمي ،علما بأنه تم تشكيل محاكم مركز دبي المالي العالمي ومركز التحكيم الدولي "DIFC LCIA"  لتعزيز عملية حل النزاعات التجارية الدولية من خلال التحكيم والوساطة. وتستمد قواعد التحكيم والوساطة صيغتها التشريعية من قوانين محكمة لندن للتحكيم الدولي" LCIA" بعد أن تم تعديلها لتتلاءم مع احتياجات المركز .

ومن هنا يجب الاهتمام بالتحكيم الإسلامي وتطوير آلياته ليصبح مواكباً لتطور التغيرات الاقتصادية وملبيا لاحتياجات المؤسسات المالية الإسلامية في قطاعاتها المختلفة حاضراً ومستقبلاً، كما لا نغفل قضية تثقيف رجال الأعمال وذوى العلاقات التجارية والمالية الإسلامية ومن له علاقات بقطاع المالية الإسلامية بالتحكيم الإسلامي وأهميته كوسيلة بديلة لفض المنازعات.

ونأمل أن نشاهد من ضمن التطورات المصاحبة لاستراتيجية دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي هيئة للتحكيم للاقتصاد الإسلامي في المركز المالي الدولي لتكمل عمل محاكم المركز المالي في دبي؛ بحيث تكون أنظمتها وقواعدها منضبطة مع أصول التحكيم الإسلامي.

ولذا فيمكن أن نقدم اقتراحا بهذا الشأن يتمثل في الآتي:

إنشاء هيئة عالمية للتحكيم للاقتصاد الإسلامي في المركز المالي الدولي في دبي لتستقطب النزاعات الإقليمية بل والعالمية المتعلقة بالمؤسسات المالية الإسلامية ؛ وتوضع الخطط اللازمة لتحقيق هذا الهدف، ويمكن الانطلاق من وجود المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم في دبي وتعزيز كيانه ليصبح هيئة عالمية للتحكيم الإسلامي من ضمن خدمات المركز المالي الدولي في دبي .

المبحث الرابع: دعم استراتيجية دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي من خلال محاورها السبعة:


"التمويل الإسلامي. المنتجات الحلال. السياحة العائلية. الاقتصاد الرقمي. التصاميم الإسلامية. القطاع المعرفي. المعايير التجارية والصناعية الإسلامية.

"المطلب الأول: حول المفهوم

مصطلح الاستراتيجية يعد من المصطلحات القديمة المأخوذ من الكلمة الإغريقية "Strato" وتعني الجيش أو الحشود العسكرية، ومن تلك الكلمة اشتقت اليونانية القديمة مصطلح" Strategos" وتعني فن إدارة وقيادة الحروب.

فالاستراتيجية تعني أصول القيادة، ومن ذلك الاستراتيجية العسكرية أو السياسية التي تضمن للإنسان تحقيق الأهداف من خلال استخدامه وسائل معينة، فهي علم الترتيب وفن التخطيط، ثم استعملت هذه الكلمة في المجالات المتعددة في شتى مناح الحياة العامة.

وقد أطلق سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي خطة استراتيجية لتطوير قطاع الاقتصاد الإسلامي وضمت سبعة توجهات رئيسة بهدف ترسيخ مكانة دبي كعاصمة عالمية للاقتصاد الإسلامي ،وتأمل الخطة الاستراتيجية لتطوير قطاع الاقتصاد الإسلامي من خلال توجهاتها السبعة الرئيسة إلى تحقيق الأهداف التي تم من أجلها إطلاق مبادرة دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي  وجاءت على النحو الآتي:

التوجه الأول: «المرجع العالمي والمركز الرئيس للتمويل الإسلامي بجميع أدواته »ويسعى لتوفير بيئة تنظيمية عالمية لمزاولة الأعمال من خلال إصدار اللوائح والقوانين ذات العلاقة، وبما يسهل مزاولة الأعمال ويستقطب المستثمرين ورجال الأعمال لدبي.

التوجه الثاني: «المركز الرئيس لصناعات الأغذية والمنتجات الحلال والاسم الموثوق في اعتمادها» ويهدف إلى تطوير شبكة محلية من التسهيلات والخدمات اللوجستية لإنتاج وتطوير هذه المنتجات والتصدير وإعادة التصدير، وتطوير سلسلة من أفضل المعايير في هذا المجال.

التوجه الثالث: «الوجهة المفضلة للسياحة العائلية» فيهدف إلى تعزيز موقع دبي كمركز لخدمات السياحة والإقامة المثالية للعائلات، وتوفير سلسلة من التسهيلات والنشاطات السياحية التي تناسب جميع أفراد الأسرة. وقد قطعت دبي شوطا كبيرا حتى الآن في تعزيز موقعها كوجهة سياحية مفضلة للعائلات من مختلف الدول حول العالم.

التوجه الرابع: «المنصة الرئيسة للتجارة الإلكترونية الإسلامية وصناعات المحتوى الرقمي الإسلامي» ويسعى لتعزيز موقع مدينة دبي كواحة وحاضنة لتطوير البرامج والتطبيقات والألعاب الإلكترونية، وبوابة للتجارة الإلكترونية الإسلامية، ومركز عالمي للمحتوى الإعلامي الإسلامي، وبيئة حاضنة ورائدة للاقتصاد الرقمي الإسلامي.

التوجه الخامس: «العاصمة العالمية للتصميم والإبداعات الإسلامية» ويهدف إلى تعزيز موقع دبي كمركز للتصميم والعمارة الإسلامية، ووجهة عالمية لعرض وتداول الفنون الإسلامية بمختلف أنواعها،  ومركز أزياء عالمي للتصميم والعرض والبيع بالتجزئة للأزياء المحافظة.

التوجه السادس: «المركز والمرجع المعرفي والتعليمي والبحثي في كافة مجالات الاقتصاد الإسلامي» يسعى لجعل دبي مدينة رائدة فكريا، ومركزا ومصدرا عالميا للمعلومات في مجال المعرفة والتعليم في قطاع الاقتصاد الإسلامي، حيث أعلنت دبي في هذا الصدد عن إطلاق «مركز دبي للصيرفة والتمويل الإسلامي» والذي يهدف إلى إحداث قفزة نوعية في تلبية احتياجات قطاع الصيرفة والتمويل الإسلامي من خلال توفير برامج التعليم الأكاديمي، والتأهيل والتدريب المهني، والبحث العلمي وفق أفضل الممارسات العالمية.

التوجه السابع: «المركز المعتمد لمعايير الاقتصاد الإسلامي وإصدار الشهادات ،»ويهدف إلى جعل مدينة دبي مرجعا عالميا لإصدار معايير الإدارة الإسلامية، ومركزا معتمدا لإصدار شهادات الحلال لمختلف المنتجات والخدمات.

هذه المقومات السبعة تستشرف المستقبل المالي للاقتصاد الإسلامي في دبي بشكل متكامل،  حيث راعت التوجهات السبعة قطاعات الاقتصاد كاملة من حيث البنية التحتية لاستراتيجية "دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي"، ومتطلبات التنفيذ وآلية التنفيذ ومراجعة وتدقيق التنفيذ، فشملت  -كما يقول أهل النحو والعربية -  الأزمنة الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل.

فحقا هي نظرة تتحدث عن الماضي والحاضر والمستقبل.

وبعد هذه اللمحة المختصرة عن هذه التوجهات السبعة أستطلع ملامح استراتيجية دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي من خلال توجهاتها السبعة في المطلب الآتي:

المطلب الثاني: ملامح استراتيجية دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي من خلال توجهاتها السبعة


تتمتع دبي بمكانة مالية مهمة إقليما وعالميا وذلك من خلال مجموعة من القوانين والتنظيمات المدنية والتجارية الشاملة والخدمات المساندة لقطاعات متعددة في الدولة، وقد انسجمت تلك الاستراتيجية مع توجهاتها السبعة لتحقق مكانة دبي عاصمة للاقتصاد الإسلامي.

وإذا ما تناولنا هذه التوجهات السبعة بنظرة مستقبلية فلعلنا نتلمس ملامح مقترحة لتلك التوجهات ومنها:

1. إنشاء سوق للسلع الدولية لمتطلبات السيولة للمؤسسات المالية الإسلامية.

تعد دبي اليوم مركزاً تجارياً رائداً على الصعيد الإقليمي، وتتمتع ببيئة أعمال رفيعة المستوى، كما  تمتاز دبي بموقع استراتيجي يجعل منها منفذاً فريداً إلى منطقة تشهد نمواً مطرداً على صعيد الاقتصاد والسكان والفرص الاستثمارية، من هنا كانت الحاجة إلى إنشاء سوق السلع الدولية للاقتصاد الإسلامي على غرار سوق زيت التخيل في ماليزيا وسوق السلع في بريطانيا.

ويعتبر مركز دبي المالي العالمي الملتقى الأمثل للشركات التجارية العالمية حيث يضم أكثر من 800 شركة بما فيها 18 من أكبر 25 مصرف عالمي و 8 من أضخم مديري الأصول و 6 من أكبر 10 شركات التأمين بالإضافة إلى 6 من أكبر 10 شركات المحاماة والاستشارات القانونية في العالم.

وتساهم هذه الخطوة في تعزيز نمو أعمال الخدمات المالية الإسلامية والنشاطات التجارية في دبي خاصة والمنطقة الإقليمية والعالمية أيضا. وهو يدعم الاستراتيجية من جهة التمويل الإسلامي حيث يعزز مكانة دبي في صناعة التمويل وانتشارها وفق أسس علمية شرعية منهجية تتلافى السلبيات في التطبيقات المشابهة .

2. السعي نحو إنشاء هيئة عالمية للحلال في دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي.

تكمن أهمية إنشاء هيئة عالمية للحلال وتحتضنها دبي -  عاصمة الاقتصاد الإسلامي - في أنها تؤصل لهذه الصناعة المهمة والتي باتت تشكل هاجسا لكثير من المسلمين الذين يتحرون الحلال في المأكل والمشرب، وتساهم هذه الهيئة العالمية للحلال في وضع البنية التحتية للضوابط الشرعية المعتمدة للحلال وتقوم على إدارة المعايير والأسس الصحيحة لمثل هذا المجال، فتكمل هذه الحلقة سلسلة الإنجازات المتكاملة في تحقيق الاستراتيجية من خلال هذا التوجه وهو المنتجات الحلال.

3-وضع قوانين وتشريعات لخدمة المنشآت السياحية ذات الطابع الشرقي.

تتحقق هذه الفكرة توجهين مهمين وهما: السياحة العائلية و التصاميم الإسلامية؛ حيث تهتم كثير من العوائل  بالحفاظ على تقاليدها وعاداتها في سفرها وتنزهها ،مما يستدعي نوعية خاصة من المعالم  السياحية التي تتضمن ضوابط ومعايير خاصة في البناء والعمارة والتصميم، تحافظ على الهوية الإسلامية والمحلية، مع بعد إضافي يتمثل في الجذور المتأصلة لشعوب المنطقة العربية.

4-تبني دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي لمشروع: "الآيزو" الإسلامي لضبط الجودة الشرعية.

إن معايير الجودة هي بمثابة المصباح الذي يتم الحكم في ضوئه على مدى تحقيق الأهداف الخاصة بالجودة في المؤسسة المالية ، وقد دخلت معايير الجودة مختلف المجالات التجارية والصناعية في العقد الأخير من القرن العشرين ولا مانع من ان تتطور لتشمل المؤسسات المالية الإسلامية لكي تخضع تلك المؤسسات المالية الإسلامية لتطبيق معايير ومقاييس عالمية لضمان جودة التطبيق المتين المتميز بالجودة العالية في المدخلات والمخرجات الشرعية؛ وأعني بالمدخلات الإيرادات ،وبالمخرجات الأرباح.

إن معايير الجودة عبارة عن مجموعة مقاييس محددة للمقارنة والحكم تستعمل لوضع أهداف وتقييم الإنجاز وقد تكون معبرة عن المستويات المرحلية والآنية للإنجاز في المؤسسة، وقد تكون هذه المعايير أيضاً عبارة عن مستويات تضعها إحدى الجهات الخارجية أو مستويات إنجاز في مؤسسة أخرى يتم اختيارها للمقارنة ،وعلى كل الأحوال فإن تطبيقها سوف يحقق بلا شك نقلة نوعية في مجال العمل المؤسسي للمؤسسات المالية الإسلامية وجودتها لتطبيق أهدافها المحلية والإقليمية والعالمية.

لا سيما وأن الإسلام قد حث على التشبث بمعايير الجودة؛ فقد حث الإسلام على بناء مجتمع قوي متماسك من خلال الإتقان والإخلاص في العمل، وتنمية الرقابة الذاتية تحقيقاً للجودة في أداء الأعمال، حيث إن كثيرا من الآيات القرآنية الكريمة تعزز الالتزام بالجودة والإتقان في العمل بدافع إيماني، قال تعالى (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) سورة التوبة الآية 105 وجاء في الحديث الشريف: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه .

وإنشاء واحتضان هذا المعيار يحقق البعد الاقتصادي  الإسلامي للمعايير التجارية للصناعة المالية الإسلامية، فيكون داعما للتوجه الاستراتيجي لدعم دبي عاصمة للاقتصاد الإسلامي.

5-إيجاد كيانات إعادة تأمين تكافلية ضخمة.

تتصف أسواق التأمين الإقليمية بأنها صغيرة الحجم، وربما لا تلبي الطموح في أرضية مالية تنادي بأن تكون لها الريادة على المستوى الإقليمي والعالمي، ومن هنا تبرز أهمية وجود قطاع إعادة التأمين الإسلامي لتعنى بتلبية الطلب على خدمات التأمين التكافلي وإعادة التأمين التكافلي في المنطقة، ولذا لا بد من تنسيق الجهود على المستوى الإقليمي عربياً ومحلياً لإنشاء كيان  قوي ومتماسك لإعادة التأمين  يتبع المنهج التكافلي .

6- إنشاء مركز تدريب عالي المستوى للمالية الإسلامية.

يهدف هذا المقترح لتعزيز وتغذية قطاع الاقتصاد الإسلامي بالكوادر المؤهلة والمتخصصة في المعاملات المالية الإسلامية والخدمات المصاحبة لها ، ويشمل هذا المركز جميع جوانب المعرفة التخصصية لهذا التوجه من قطاع معرفي واسع النطاق ، ومن تهيئة لاقتصاد رقمي فعال يديره كوادر مؤهلة متخصصة في قطاع الاقتصاد الإسلامي. كما يقدم هذا المركز الشهادات المعتمدة ويتطور لكي يشمل المنح التعليمية العالمية ليكون مركزا تأهيليا عالميا.

ويمكن الانطلاق من تجربة «مركز دبي للصيرفة والتمويل الإسلامي»، حيث يتم دعمه ليكون النواة الأولى للمركز الدولي للتدريب والتطوير.

وبعد هذا التجوال المختصر فإني أختم هذا المبحث  بمطلب يبين عناصر القوة التي تمتلكها دبي تحقيقا لترسيخ استراتيجية دبي عاصمة للاقتصاد الإسلامي؛ من أجل رفع درجة التحدي الذي اتخذه القائمون على هذا المشروع الحيوي المهم.

المطلب الثالث: عناصر القوة التي تمتلكها دبي في مجال ترسيخ استراتيجية دبي عاصمة لاقتصاد الإسلامي


تمتلك دبي مزايا وخصائص تؤهلها لأن تصبح  عاصمة الاقتصاد الإسلامي حيث:

1- تنمو اعداد المؤسسات المالية بمعدلات واضحة.

2- تنمو الحصة السوقية للمؤسسات المالية في السوق المالي في دبي بمعدلات مهمة.

3- تنمو أصول تلك المؤسسات المالية من تمويلات واستثمارات بصورة واضحة.

4. تتراكم خبرات تلك المؤسسات بمرور الوقت في مجال الخدمات المالية.

5- يوجد في دبي قاعدة لا بأس بها من المؤسسات المالية الاسلامية يمكن أن تشكل نقطة الانطلاق لهذا التوجه.

6- المنافسة على تمكين دبي عاصمة للاقتصاد الإسلامي تبدو أقل حدة من تلك التي ستواجهها عند التحول إلى نقطة تمركز مالي تقليدي؛ لكون المنافسة العالمية أشد شراسة في عصر العولمة، وخصوصا في المجال المالي التقليدي.

مثل هذه العوامل تشكل زخما كافيا لأن تعلن دبي استعدادها لأن تكون عاصمة الاقتصاد الاسلامي للعالم، خصوصا أنه حتى الآن لا يوجد لدينا في العالم الإسلامي ما يسمى بالمركز المالي الاسلامي.

ولهذه المميزات لا بد من مراعاة بعض الجوانب المهمة في ترسيخ فكرة دعم دبي عاصمة الاقتصاد الاسلامي ومنها:

1-تحتاج دبي إلى تطوير الأدوات المالية الاسلامية وعقود تلك الأدوات على نطاق أكبر؛ وذلك بهدف توفير تشكيلة واسعة ومتنوعة من الأدوات والعقود المالية الاسلامية التي تناسب جميع المنتجات والقطاعات.

2- تمكين المؤسسات المالية الإسلامية من النمو والمنافسة المالية في السوق المالي الإقليمي والعالمي ودعمها لتحقيق هذا الغرض.

3-الاهتمام بتوفير العمالة الماهرة والمتخصصة في مجال الأعمال المالية الإسلامية ،وتوسيع نطاق مراكز التدريب المتخصصة في تقديم تلك التخصصات في دبي ،ومن ثم يجب أن تحظى تلك المؤسسات بأولوية في عملية إنشاء وتطوير المؤسسات التعليمية بالدولة.

4- إيجاد آلية عمل للتمهيد لسوق اقتصاد إسلامي إقليمي ومن ثم الدخول للعالمية ،وتطوير قواعد وأسس العمل في هذا السوق، وذلك لمواجهة احتياجات التمويل الإسلامي، ولتعظيم الاستفادة من السيولة المتاحة لدى الدول المشاركة .

ويرى المراقبون بأن الطلب تزايد على الخدمات المالية الإسلامية في المنطقة الإقليمية وخصوصا في دول الخليج بشكل واضح، الأمر الذي دعا  كثير من أصحاب رؤوس الأموال إلى إنشاء المزيد من المؤسسات المالية الإسلامية استجابة لهذا النمو المتزايد في الطلب على تلك الخدمات المالية الإسلامية .

إن تزايد الطلب على المنتجات والخدمات المالية الإسلامية يعزز دعم الاقتصاد الإسلامي في دبي.

الخاتمة


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،

فقد من الله تعالى علي بإكمال هذا البحث المتواضع الذي تناول دعم استراتيجية دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي، تطوفت به خلال استعراضي لأهم ملامح وأفكار هذه الاستراتيجية المباركة والتي اتخذتها دبي عنوانا للتحدي للمستقبل القريب، وفي ختام بحثي هذا فقد ترسخت لدي قناعة أكيدة:

أن الهمم العالية لا تقبل بغير الطموحات والإنجازات العالية، وهذا ما ساهم بشكل كبير لتحديد مسار هذا التوجه المهم في مسيرة الاقتصاد الإسلامي الإقليمي والعالمي.

كما توصلت لنتائج  وتوصيات ومقترحات عدة ربما تساهم في دعم استراتيجية دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي وهي:

أولا: النتائج:



  1. استوعبت الخطة الطموحة قطاعات متعددة تحقق التكامل لتهيئة الأجواء لدعم استراتيجية دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي.

  2. البيئة التشريعية والتنفيذية والرقابية تلعب دورا مؤثرا في دعم وتعزيز "دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي"؛ لينتج عنه الانسجام الكامل بين البيئة المالية وغيرها من البيئات المهمة في الدولة المكملة لقطاع الاقتصاد.

  3. إن ملامح هيكل نظام الحوكمة في المؤسسات المالية الإسلامية المنشود يكمن في إيمان المتعاملين والمؤسسات المالية بمفهوم المراقبة لله تعالى ثم بمراعاة الأمانة العلمية والمهنية.

  4. إن بناء التدقيق الشرعي القائم على تعزيز الشفافية والحوكمة في المؤسسات المالية الاسلامية يساهم بشكل كبير في ضبط هذا النهج وأسلوب العمل لدعم دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي.

  5. للوقف والزكاة دور مهم في الحياة الاقتصادية والمجتمعية.

  6. تمتلك دبي مقومات البنية التحتية اللازمة لأن تصبح مركزاً عالمياً للتحكيم وتسوية النزاعات في قطاع الخدمات المالية الإسلامية.

  7. تتمتع دبي بمكانة مهمة إقليما وعالميا وذلك من خلال مجموعة من القوانين والتنظيمات المدنية والتجارية الشاملة والخدمات المساندة لقطاعات متعددة في الدولة، وقد انسجمت تلك الاستراتيجية مع توجهاتها السبعة لتحقق مكانة دبي عاصمة للاقتصاد الإسلامي.

ثانيا: التوصيات والمقترحات:



  1. تعزيز دور الرقابة الشرعية الخارجية، ووضع القوانين المنظمة للتدقيق الشرعي الخارجي.

  2. إيجاد آليات تمكن الهيئات الشرعية أو إدارات الرقابة الشرعية من تمثيلها في اجتماعات مجالس الإدارات بصفة مراقب.

  3. تفعيل الهيكل المؤسسي المدروس لمنظومة الوقف والزكاة وصياغتهما في قالب مؤسسي يلبي حاجة قطاعات الاقتصاد الإسلامي الأخرى.

  4. إيجاد آليات لتفعيل أساليب التكافل الوقفي بشكل مؤسسات مالية إسلامية ،وتبني نموذج الوقف التكافلي لإدارة التأمين التكافلي لخدمة مختلف القطاعات الاقتصادية الأخرى.

  5. السعي نحو إنشاء الصناديق الوقفية المتعددة الأغراض.

  6. السعي نحو إيجاد كيانات مالية اقتصادية إسلامية قائمة على أموال الوقف.

  7. الأوقاف الجماعية من المؤسسات المالية الاسلامية لدعم أوجه التنمية المختلفة كالتعليم والتدريب.

  8. إنشاء هيئة عالمية للتحكيم للاقتصاد الإسلامي في المركز المالي الدولي في دبي.

  9. إنشاء سوق للسلع الدولية لمتطلبات السيولة للمؤسسات المالية الإسلامية.

  10. إنشاء هيئة عالمية للحلال في دبي.

  11. وضع قوانين وتشريعات لخدمة المنشآت السياحية ذات الطابع الشرقي.

  12. تبني دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي لمشروع: " الآيزو" الإسلامي لضبط الجودة الشرعية.

  13. إيجاد كيانات إعادة تأمين تكافلية ضخمة.

  14. إنشاء مركز تدريب عالي المستوى للمالية الإسلامية تساهم بتمويله المؤسسات المالية.

هذا ما أكمل الله تعالى علي بفضله وكرمه وأسأل الله تعالى أن أكون قدمت تصورا مستقبليا مناسبا لتحقيق استراتيجية دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي ، فإن كان في ما ذكرته خير فمن الله تعالى وتوفيقه، وإن كان فيه غير ذلك فمن نفسي المقصرة ،والله ولي التوفيق.

المراجع والمصادر


أولا: المراجع:

  1. أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء  -الشيخ قاسم القونوي -ط. دار الوفاء للنشر– السعودية – الطبعة الأولى – 1406ه - 1986م–

  2. التحكيم التجاري الدولي، د. صادق محمد الجبران.- منشورات الحلبي الحقوقية ،الطبعة: الأولى 2005 م

  3. البعد المصرفي في حوكمة الشركات،  مجلة مصارف،  الكويت,  العدد 45، السنة2006، د. أحمد منير نجار

  4. الزكاة وتمويل التنمية المحلية - د. جمال لعمارة وآخرون- نسخة إلكترونية 

  5. بلغة السالك لأقرب المسالك لأبي العباس الصاوي-ط. دار المعارف

  6. التأصيل الشرعي لأعمال التدقيق الشرعي الخارجي- د. رياض الخليفي- المؤتمر الرابع للهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية 2004م.

  7. التأمين التجاري وإعادة التأمين، د. الصديق الضرير ،من أعمال الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي1987م.

  8. التحكيم ومستجداته في ضوء الفقه الإسلامي - أ. د. محمد جبر الألفي- نسخة إلكترونية .

  9. التعريفات الجرجاني– ط. دار الكتاب العربي – بيروت – الطبعة الأولى – 1405ه - 1985م

  10. الجامع لأحام القرآن المعروف ب تفسير القرطبي – محمد بن أحمد القرطبي-ط . دار إحياء التراث العربي- بيروت 1967م.

  11. حوكمة الشركات «تعريف مع إطلاله إسلامية»- دكتور/ محمد عبد الحليم عمر- نسخة إلكترونية.

  12. حوكمة الشركات في القرن الواحد والعشرين - مجموعة مركز بحوث غرفة التجارة الأمريكية واشنطن -  ترجمة سمير كريم - نشر المشروعات الدولية الخاصة.

  13. دراسة عن مشكلات تطبيق مبادئ حوكمة الشركات على القيد والتداول في سوق الأوراق المالية.

  14. مبدأ الإفصاح والشفافية -  أ. عبد الله عبد اللطيف عبد الله محمد -  نسخة إلكترونية.

  15. .درر الحكام شرح مجلة الأحكام- علي حيدر- 16/ 639-". دار الكتب العلمية-بيروت 1991م.

  16. الدور الاقتصادي لنظام الوقف الإسلامي في تنمية المجتمع المدني- د. منذر قحف.  ورقة عرضت في ندوة نظام الوقف و المجتمع المدني في الوطن العربي -  لبنان - 2001م

  17. دور حوكمة الشركات في الإصلاح الاقتصادي. ورقة بحثية مقدمة من الباحث /عيد بن حامد الشمري إلى المؤتمر العلمي الأول لكلية الاقتصاد بجامعة دمشق- نسخة إلكترونية.

  18. دور حوكمة الشركات في التنمية الاقتصادية -  الدكتور مناور حداد-  نسخة إلكترونية

  19. الرسالة نت - 5 أكتوبر 2013- نسخة إلكترونية .

  20. الزكاة الأسس الشرعية والدور الإنمائي والتوزيعي- أ. نعمت عبد اللطيف مشهور- إصدارات: المركز العالمي للفكر الإسلامي،- المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1993/ 1413 

  21. الزكاة ودورها في نهضة الأمة- د. علاء الدين زعتري -نسخة إلكترونية

  22. قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبدالسلام - دار الكتب العلمية- بيروت

  23. كشاف القناع عن متن الإقناع - منصور بن يونس البهوتي - ط. دار الفكر- بيروت 1402.

  24. لسان العرب لابن منظور - دار المعارف.

  25. المبسوط - لشمس الدين السرخسي - ط. دار الكتب العلمية – بيروت - الطبعة الأولى - 1993م.

  26. مجلة المجمع الفقهي- العدد 5- سنة 1988م.

  27. -المعجم الوسيط: ط مجمع اللغة العربية بمصر .

  28. المصباح المنير للفيومي- مكتبة لبنان- بيروت 1990-م.

  29. المصنف لابن أبي شيبة في المصنف-  ط. دار الفكر – بيروت

  30. مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج- محمد الخطيب الشربيني: دار الفكر - بيروت–

  31. منح الجليل شرح على مختصر خليل -محمد عليش ، دار الفكر - بيروت -  1989.

  32. المنثور في القواعد  - بدر الدين لزركشي –الناشر: دار الكتبي- القاهرة.

  33. المنهج التنموي البديل في الاقتصاد الاسلامي صالحي صالح-. دار الفجر- القاهرة .2006

  34. الوقف الإسلامي في ضوء تحديات التاريخ ومستلزمات الفكر والمياومة_ د. حسن القرواشي- " مجلة أوقاف" تصدر عن الأمانة العامة للأوقاف في الكويت العدد 24 سنة 2013م.

  35. الموسوعة الفقهية الكويتية -  طباعة ذات السلاسل- الكويت 1983م.

ثانيا: المصادر:

  1. مجلة الشرق الأوسط- الثلاثاء 08 ربيع الاول 1428 ه 27 مارس 2007 العدد 10346

  2. موقع المعرفة- موقع الكتروني

  3. موقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على الإنترنت .

  4. موقع ويكيبيديا – الموسوعة الحرة.
شارك المقالة
أضف تعليق
أدمن

دعم استراتيجية دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي

28‏/7‏/2019